هيرونيمس بوش . حديقة اللّذّات المادّيّة ( لوح ثلاثيّ للكتابة ) . ك.1510 . زيّت على اللّوح . برادو دل مسيو، مدريد، أسبانياللفنان الهولندي هيرونيموس بوش
يتفق الكثير من نقّاد الفن على اعتبار هذه اللوحة واحدة من أعظم الأعمال في تاريخ الفن ومن أكثرها شهرةً وخلودا.
رسم هيرونيموس بوش اللوحة قبل خمسمائة عام، وما تزال إلى اليوم تحتفظ بأصالتها وجاذبيتها التي كانت عليها في العام 1504م.
وُيرجّح أن تكون اللوحة قد أنجزت بناءً على طلب أحد النبلاء الهولنديين آنذاك.
"حديقة المباهج الأرضية" تتألف من ثلاثة أجزاء وقد استمدّت اسمها من الحديقة المترفة التي تبدو في الجزء الأوسط المملوء بصور نساء عاريات وطيور ضخمة وفواكه عملاقة.
واللوحة تصوّر تاريخ العالم ومراحل تطوّر الخطيئة بدءا من آدم وحوّاء اللذين ارتكبا الخطيئة "الجزء الأيسر"، إلى عذاب الخاطئين في الجحيم الذي يبدو إلى يسار اللوحة منطقة مظلمة وكابوسية وباردة.
أما في الوسط فتظهر حديقة المباهج الأرضية التي تصوّر عالما منغمسا في الملذّات والخطايا، حيث تتجسّد الشهوة باعتبارها سببا في سقوط الإنسان.
في هذه اللوحة الفانتازية يبدو هيرونيموس بوش مهجوسا بالرؤى الكابوسية للجحيم والخطيئة، وهي فكرة كانت سائدة في القرون الوسطى بأوربا.
و اللوحة تبرهن على قدرة الفنان المدهشة في بناء طبيعة ذات تفاصيل ضخمة ودقيقة من خلال سلسلة من المبالغات والتشويهات الغريبة.
كما تزخر اللوحة بأكثر من ألف رسم لبشر وحيوانات وثمار ونباتات. ومع ذلك، فإنها تعطي انطباعا بحداثتها وجدّة موضوعها.
وليس بالغريب أن ينجذب إلى هذه اللوحة سورياليو القرن العشرين لانها تحمل بعض سمات مدرستهم.
كان هيرونيموس بوش، واسمه الحقيقي جيروم فان ايكين، رجلا متشائما وأخلاقيا إلى حدّ كبير، ولم يكن يؤمن بإمكانية عقلنة العالم الذي فسد بسبب وجود الإنسان فيه، كما كان يقول.
ولزمن طويل ظلّ النقاد حائرين في تفسير رسومات هذا الفنان. وبعضهم كان يعتقد بانتمائه إلى "فرقة ضالة" أو منظمّة سرّية غامضة، على الرّغم من المضامين الدينية للوحاته.
لكن آخر دراسة نقدية عن الفنان تكشف عن انه كان فنانا موهوبا يفهم أسرار النفس الإنسانية، كما كان أحد الفنانين الأوائل الذين قدّموا مفاهيم تجريدية في أعمالهم.
وأخيرا، هناك حوالي أربعين لوحة منسوبة إلى هيرونيموس بوش، لكن سبعا منها فقط هي التي تحمل توقيعه..
التحليل والنقد الفني:
الجزء الأول من اللوحة:
أستخدم بوش في الجزء الأيمن من اللوحة الألوان الغامقة فظهرت اللوحة بشكل مظلم .
غالباً ما يستخدم بوش الألوان الغامقة لتعبير عن الجحيم أو العذاب فقد أستخدم بوش في هذا الجزء اللون الأسود والبني في كثير من أجزاء هذة اللوحة ليصور الجحيم كما أستخدم بوش اللون الأصفر في تفتيح بعض الأماكن,كما أستخدم اللون الأبيض لرسم بعض الأشكال بصورة واضحة حيث أنه استخدم اللون الأبيض على خلفية غامقة فهو يقصد بذلك أبراز هذا الجزء من اللوحة والتأكيد علية .
نلاحظ أن ملامس (بوش) في هذة اللوحة كانت ناعمة فعمد على تسسيح اللون قاصد بذلك الدقة الواضحة في اللوحة,
نلاحظ أن الخطوط واضحة دقيقة لوصف العمل كما صور بوش في هذة اللوحة بعض الأشكال الغريبة وغالباً ماكان بوش يرسم الأجسام مقطعة وغير كاملة ليصف بذلك العذاب كما قام برسم أشكال رمزية غير مفهومه ويصعب تحديدها ولكنها بالرغم من ذلك استطاع نقل لنا نظرتة للجحيم وعذابة .
حينما ننظر الى هذا الجزء من اللوحة الثلاثة يقع نظرنا إلى رجل الشجرة الذي صورة بوش مبتورة ومقطع فقد قصد أبرازة حيث أنة رسمه بحجم كبير كما أستخدم اللون الأبيض لأبرازة بالأضافة على وضعة في وسطاللوحة تقريباً.
كما رسم بوش الأذن التي تتوسطها السكين بحجم كبير أيضاً.
كما قصد بوش بتصويرة إلى للمعدة الكبيرة التي شقت ان يعضض معنى الشرهة, والنهم بداخلها . هكذا بدت اللوحة تمتلئ بالرموز التي لاتكشف عن ذاتها مباشرة .
حين معاودتنا لنظر إلى لوحة (بوش) هذه الرائعة والتى ماتزال محافظة على جمالها حتى هذا العصر فأننا نشعر بالعمق الذي طالما أبدع (بوش ) فية حيث يظهر لنا أسفل اللوحة قريب ثم يدخلنا إلى داخل اللوحة كلما أتجهنا إلى الأعلى .
أستطاع بوش من خلال هذه اللوحة تصوير الجحيم وعذابة فقد يشعرنا بالرهبة والهلع بأستخامة الرموز والاجسام المقطعة .
فقد صور يوم الحساب في مهابة وحركة قوية تموج بالتمرد والإضطراب العنيف فقد ظهر في أعلى اللوحة المحكمة الألهية , وقد أنغمس غالبية البشر المصورين في انفعالات عنيفة غاضبة وسط منظر طبيعي مظلم إن هذه اللوحة بمثابة نهاية العالم الذي يحتضر الذي أهلكتة النيران ودمرتة مشاعر العذاب وآلام البشر .
فقد صور الجحيم وعذاباتة الأفكار التي طالما شغلت فكر بوش وعبر عنة في العديد من لوحاتة فقد لاحظنا أهتمام بوش بالدين وتمسكة بة مما عكس ذلك على لوحاتة فهو دائماً مايقصد نقل رسالة من حلال لوحاتة .
...................
الجزء الأوسط من اللوحة:
الجزء الأوسط هو شاغل المساحة الكبرى ومحتل المكان الأوسط .
صور بوش في هذا الجزء الحياة الدنيوية وملذاتها أشتملت هذه اللوحة على أجسام عارية صغيرة جداً أو ناقصة النموفقد صور معنى ((الجشع)) بالأضافة إلى
الخطايا المهلكة :
الحسد- الكسل- الشراهة- والبخل.
كماصور بعض الأشكال الرمزية ,مثل الأشكال التي يصعب تحديدها في أوضاع تدعو إلى السخرية ...
كما صور الأشكال المعمارية الغريبة والمناظر الطبيعية .
أستخدم بوش في هذا الجزء من اللوحة الألوان الفاتحة التي تصور الملذات وجمال الدنيا وحلاوتها فقد استخدم الأخضر بترجاتة اللانهائية ليصور الطبيعة وأستخدم الأزرق الفاتح بتدرجاتة أيضاً استخدم الأزرق الممزوج بالأبيض ليصور السماء وأستخدم مزيج من لون البيج والأبيض لتصوير الأجسام العارية ,ايضا الملامس بشكل عام بهذه اللوحمة ناعمة عمد الى تسسيح اللون لدقة والوضوح .
حينما ننظر اليى هذا الجزء من اللوحة ننجذب إلى الوانها بالأضافة على الأشكال المعمارية الغريبة التي صورها بوش.
نلاحظ أن بوش غالباً مايرسم الأجسام عارية بشكل غير دقيق فقط لتوصيل فكرة وجود هذه الأجسام وتعريها لايقصد الأبداع في رسمها .
ركز في هذه اللوحة على الطبيعة لتوصيل فكرة الأنغماس في الشهوات ...
ولاينسى بوش العمق في لوحاتة فهي من مميزات لوحات بوش الأهتمام الكبير بالعمق فكأنما نعيش داخل اللوحة لا أن نشاهدها فقط..
فقد قام بتظليل بعض المناطق وتفتيح أخرى لأعطاء الأحساس بالأرتفاع والأنخفاض
فقد ابدع بوش بعكس نظرتة وتصورة للحياة الدنيوية بهذه اللوحة الرائعة.
............................
الجزء الأيسر
الجنة والنعيم....
نرى في وسط اللوحة أشكال معمارية غريبة فهو قد يقصد بذلك بأن الجنة تحمل أشكال معمارية لاتوجد بالحياة الدنيوية لذلك صورها بشكل غريب .
أيضاً نرى إلى سيدة تتوسط فتاتين وأهتم في هذا الجزء بالطبيعة بشكل كبير جداً وتعد المناظر الطبيعية في أعمال بوش إبداعاً يستحق المشاهدة , أنة يصور من خلالها معنى الموضوعية بحدة شديدة وكأنة ينظر أثناء تصويرة للعالم المرئي من خلال المجهر .
أستخدم بوش في هذا الجزء الألوان الفاتحة ليصور النعم والملذات والبهجة كما أستخدمك اللون الأسود لتظليل أعطائنا أحساس بالعمق .
ظهر لبوش في هذا لجزء بعض الملامس الخشنة مثل التظليل وبعض المرتفعات.
كما رسم في هذا الجزء من اللوحة بعض الخطوط الواضحة في رسم الشجرة التي تقع يسار اللوحة ,نلاحظ ايضاً رسم بوش الغير دقيق للإنسان والكائنات الحية الأخرى .
فقد جمع بوش كل هذاة الأشكال بوحدة زخرفية مدهشة .
وفي النهاية أحب أن أنوة على الفترة الزمنية التي عاشها بوش الغريبة لها أثر كبير في تكوين شخصيتة ,فالسمة التي تميز هذا الزمن كانت التشجع على الفردية , في تقديم الشكل التصويري الذي يعبر عن مخاوف الناس الثائرة على مصيرها .وأنتظارها من دقيقة لدقيقة حكماً أبدياً في مقابل آثامهم.